{ إعــلام الأنــــام بأن تارك جنس العمل ليس من أهل الإسلام }




إعــلام الأنــــام

 بأن تارك جنس العمل ليس من أهل الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([1]) .
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2]) .
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3]) . أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
 ثم أما بعد :
فمما لا شك فيه أن الصراع بين الحـق والباطل سنة كونية من سنن الله ـ جـلَّ وعلا – فطالما أن الحياة باقية فأنصار الحق موجودون ، وعنه ينافحون ، وفي سبيله يقاتلون ، ومن أجله يوالون ويعادون ، وكـذلك أنصار الباطل موجودون ، وله يزينون ، وعلى الناس يلبسون ، ولأهل الحق يعادون ، ويا ليتهم إلى الحق يعودون ، وإن من القضايا المهمة ، التي منذ بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هـذا ، يجد أهلها العنت والمشقة في رد باطل أعدائها ، والمناوئين لها : هي قضية الإيمان ، وما زالت المعركة قائمة بين أهل السنة والجماعة وبين خصومهم ، حول هذه القضية ، وطوال تاريخ الأمة الإسلامية وأهل السنة يواجهون فرقًا ضالة ضلت في مفهوم الإيمان ، وفي هـذه السطور أدلي بدلوي في هـذا الموضوع المهم ، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يوفقنا لإصابة الحق ، واتباع سبيل المؤمنين ـ أهـل السنة والجماعة ـ ، وأن يجنبنا الباطل وأهله ، إنه ولي ذلك ومولاه .
                                
  أولاً : مذاهب الناس في الإيمان :
1 ـ مذهب أهل السنة والجماعة : الإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقاد القلب ، وقول اللسان وعمل الجوارح ، فلا يصح الإيمان إلا بهذه الثلاثة
2ـ مذهب مرجئة الفقهاء : مسمى الإيمان عندهم تصديق القلب وقول اللسان ، وأخرجوا العمل من الإيمان ، وقالوا : العمل شرط كمال في الإيمان ، وليس ركنًا فيه .
3ـ مذهب الجهمية ومن تبعهم : الإيمان عندهم هو المعرفة فقط ، أما قول اللسان وعمل الجوارح فليس من مسمى الإيمان عندهم .وعلى قولهم هذا يكون إبليس مؤمنًا لأنه عرف الله ، وكذلك ـ بلازم قولهم ـ يكون أبو طالب مؤمنًا ، لأنه عرف أن محمدًا رسول الله .
مذهب الكرَّامية : الإيمان عندهم هو قول اللسان فقط ، أما اعتقاد القلب ، وعمل الجوارح فليس عندهم من الإيمان .
5ـ المرجئة المعاصرون : قالوا : الإيمان قول وعمل ، وهذا موافق لأهل السنة والجماعة في الاسم دون المسمى ، لأنهم جعلوا أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان وليست ركنًا فيه ، فعندهم لو ترك جنس الأعمال لكان مؤمنًا
6ـ مذهب الأشاعرة : الإيمان عندهم هو التصديق فقط أي اعتقاد القلب ، أما قول اللسان ، وأعمال الجوارح فليست جزءًا من الإيمان .
الخلاصة : أن مذهب أهل السنة هو المذهب الحق ، فالإيمان لابد فيه من اعتقاد القلب ، وقول اللسان ، وعمل الجوارح ، وهذا هو الذي دلت عليه الأدلة من القرآن والسنة ، وأقوال الأئمة ، وسنذكرها فيما بعد ـ إن شاء الله – .
  ثانيًا : لقد ذم السلف مرجئة الفقهاء ، ونفس الذم يوجه للمرجئة المعاصرين ، لأنهم وافقوهم في عدم جعل الأعمال ركنًا في الإيمان .
قال شيخ الإسلام في الإيمان الأوسط : " أجمع سلف الأمة على ذم مرجئة الفقهاء ، وأمروا بهجرهم ، وعدم مجالستهم حين قالوا : إن الأعمال ليست من الإيمان " اهـ
قال الزهري : " ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء " (4) 
قال الأوزاعي : كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان : " ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء " (5) 
قال شريك بن عبد الله القاضي : " هم أخبث قوم ، حسبك بالرافضة خبثًا ، ولكن المرجئة يكذبون على الله " (6)
ومع ذلك لم ينطق أحد من السلف بتكفير مرجئة الفقهاء . قال ابن تيمية : " ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم ، وتغليظ القول ، ولم أعلم أحدًا منهم نطق بتكفيرهم ، بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك ، وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة " (7) اهـ
وكذلك المرجئة المعاصرون ، لم يتكلم واحد من العلماء الكبارـ فيما أعلم ـ  بتكفيرهم ، وإنما بتبديع من أغرق في هذه البدعة وغيرها ولم يكن من العلماء الراسخين في العلم ، ولم يكن له كبير خدمة للسنة ، وأما من قال بهذا القول من كبار العلماء والذين خدموا السنة طوال حياتهم ، ونفع الله بهم البلاد والعباد ، فلم يبدعهم أحد من العلماء ، وحفظوا لهم مكانتهم ، لكنهم لم يوافقوهم على هذا القول ، وهو أن العمل شرط كمال في الإيمان ، وبينوا أن هذا خطأ من هذا العالم لا يتابع عليه .
والبعض أراد أن يوفق بين مذهب أهل السنة والجماعة وبين مذهب مرجئة الفقهاء بأنه جعل النزاع بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء نزاعًا لفظيًا ، وظن أن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أن النزاع بينهما لفظي وهذا باطل لأن شيخ الإسلام قيد ذلك بشروط ، والشرط قيد ، فالحجة فيما قيده لا فيما أطلقه قال ـ رحمه الله ـ : " ... وقيل لمن قال : دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز : نزاعك لفظي ، فإنك إذا سلمت أن هذا لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته ، كان عدم اللازم موجبًا لعدم الملزوم ، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن ، فإذا اعترفت بهذا كان نزاعك لفظيًا " (8) .
وقال : " ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل تلك الواجبات لازمًا له أو جزءًا منه فهذا نزاع لفظي كان مخطئًا خطأً بينًا وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف " (9)
    ثم إن القول بأن النزاع لفظي فيه تسفيه لسلفنا الصالح أجمعين ، وذلك لأنهم أجمعوا على ذمهم ، وتبديعهم ، وهجرهم ، وتغليظ القول عليهم ، فهل يصح هذا من أجل نزاع لفظي ؟!!!
   هذا ولتعلم أخي المسلم ـ رعاك الله ـ أن الأدلة من القرآن والسنة قد دلت ـ بما لا يدع مجالاً للشك أن العمل جزء من الإيمان وأنا أذكر لك جملة من الآيات والأحاديث التي دلت على ذلك ، ولكن قبل ذكر الأدلة أشير إلى أن أخطر ما في الإرجاء هو الأثر السييء على الأمة في تهاونها بدين الله ، وترك أعمال الجوارح بسبب ما وصلهم من هذه العقيدة الباطلة من علماء الضلالة الذين أخرجوا العمل من مسمى الإيمان ، فركن الناس إلى أن إيمانهم كامل ولو لم يعملوا شيئًا قط ، ومما يؤسف له أن الإرجاء عم وطم ، وأصبح له مدارس وعلماء يتبنون هذا الفكر الإرجائي وينافحون عنه ويؤصلون له في كتبهم ، وينشرونه في أوساط طلبة العلم .
وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على أن العمل جزء من الإيمان ، بل أحيانًا يطلق على بعض الأعمال أنها إيمان كقوله تعالى : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " (10) أي صلاتكم ، فالآية نزلت بعد أن مات بعد الصحابة قبل تحويل القبلة فأشفق الصحابة عليهم ، لأنهم ماتوا وكانوا يصلون إلى بيت المقدس ، فنزلت الآية .
   وقد جعل الله دخول الجنة مترتبًا على الإيمان مع العمل في غير ما آية من كتابه ،  قال تعالى : " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار " (11)  .
وقال ـ سبحانه ـ : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفًا تجري من تحتها الأنهار... " (12)  
 وقال ـ عز وجل ـ: " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ..." (13)
وقال ـ جل وعلا ـ : " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " (14)  
  بل وردت آيات صريحة في أن الإيمان لايقبل إلا بعمل كقوله تعالى : " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا " (15)    فهذه الآية صريحة في أن الإيمان لا ينفع صاحبه إذا جاءت بعض الآيات ، وهي طلوع الشمس من مغربها إذا لم يكن قد اكتسب قبل ذلك خيرًا .
   أما من السنة : ورد عن علي ـ رضي الله عنه قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ، ومقعده من الجنة . قالوا : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة .... " (16) 
 ففي هذا الحديث دليل على أن الجنة لا تنال إلا بعمل . وهذا لا يتعارض مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لن يدخل أحدًا عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ..." (17)
 فالنفي في هذا الحديث أن يكون العمل عوضًا أو ثمنًا للجنة ، أما كونه سببًا فهذا لا شك فيه !
    وقبل أن أعرج على أقوال العلماء في أن العمل داخل في مسمى الإيمان ، أشير إلى قضية خطيرة وهي قديمة أخذت شكلاً جديدًا أو اسمًا جديدًا وهي قضية تارك عمل الجوارح بالكلية ، وهي ما تثار في زماننا بقضية تارك جنس العمل ، هل يكفر أم لا يكفر ؟! والصحيح الذي لا قول غيره ، وما عداه فهو باطل وهو قول المرجئة ، ومن قال به من أهل السنة السلفيين فقد دخلت عليه شبهة الإرجاء ، لأنه جعل العمل شرط صحة ، والشرط خارج عن ماهية الشيء فتصور هؤلاء إمكان أن يوجد إيمان في القلب ولو لم يظهر  أي عمل على الجوارح ، وهذا القول غير صحيح ، والصحيح هو معتقد أهل السنة والجماعة أن العمل جزء من الإيمان وليس شرطًا فيه ، ومن قال من العلماء السلفيين بأنه ـ أي العمل ـ شرط صحة ، لا يقصد الشرط من وجهة نظر علماء الأصول ، وإنما يقصد أن الإيمان لا يصح بغير عمل .وبعد هذه اللمحة أدخل معك أيها القارئ اللبيب في أقوال العلماء في أن العمل من الإيمان ، وكذلك أقوالهم في أن تارك عمل الجوارح بالكلية كافر وليس مسلمًا . وها هي أقوالهم :
قال الأوزاعي : " لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ، ولا يسقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة ، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ، والعمل من الإيمان .." (18)
قال الإمام الشافعي : " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم : أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر " (19)
قال الآجري : " باب : القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنًا حتى تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث : اعلموا ـ رحمنا الله وإياكم ـ أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح . ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقًا ، ولا تجزئ معرفة القلب ونطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنًا ، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين  " (20)
  قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الإيمان عند أهل السنة والجماعة : قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف ، وعلى ما هو مقرر في موضعه ... فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنًا ... وأيضًا فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد ، وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئًا فما دان لله دينًا ، ومن لا دين له فهو كافر " (21)
قال سفيان الثوري : " الإيمان قول وعمل ونية ، يزيد وينقص : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ولا يجوز ـ أو لا يقبل ـ القول إلا بالعمل ، ولا يجوز القول والعمل إلا بالنية ، ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة " (22)
قال سفيان ابن عيينة وقد سئل عن الإرجاء فقال : " يقولون : الإيمان قول ، ونحن نقول : الإيمان قول وعمل . والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرًا بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسوا بسواء ؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر " (23)
قال الشيخ ابن باز ردًا على من زعم أن العمل شرط كمال : لا ، لا ما هو بشرط كمال ، هو جزء ، جزء من الإيمان ، هذا قول المرجئة ، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط " (24)
قال الشيخ الفوزان : " المرجئة قصروا الإيمان على الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ، فالقول الحق ، أن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح . فالأعمال داخلة في حقيقة الإيمان ، وليست بشيء زائد عن الإيمان ، فمن اقتصر على القول باللسان والتصديق بالقلب دون العمل ، فليس من أهل الإيمان الصحيح " (25)
  قال أبو عبيد القاسم بن سلام : " فلم يجعل الله للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط ، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمنًا حقًا وإن لم يكن هناك عمل فهو معاند لكتاب الله والسنة " (26)
  قال المزني تلميذ الشافعي: " والإيمان قول وعمل ، وهما سيان ونظامان وقرينان لا نفرق بينهما ، لا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بإيمان " (27)
  قال ابن أبي زمنين : " الإيمان بالله هو : باللسان والقلب ، وتصديق ذلك بالعمل ، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه " (28)
الواجب تجاه زلات علماء أهل السنة والجماعة : يجب علينا تجاه أخطاء علماء أهل السنة الكبار أمور :
أولاً: توطين النفس على لزوم الحق والحرص على طلبه دون ميل أو تعصب  .
 قال شيخ الإسلام بعد ذكر ترك اليهود اتباع الحق : " وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم ، أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم ، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين ـ غير النبي صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم لا يقبلون من الدين رأيًا ورواية إلا ما جاءن به طائفتهم ، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم ، مع أن دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقًا.." (29)
ثانيًا : اجتناب هذه الزلات . قال العلامة ابن عثيمين : " ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام ، والذب عنه ، والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ... ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطؤوا فيه ، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه ، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده؛ لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق ..." (30)
ثالثًا : أن صاحب الزلة إذا كان من أهل السنة والجماعة ، وله قدم صدق وعلم في الإسلام وسابق فضل ، ولم يشتهر عنه تعمد المخالفة ، فلا بد من حفظ سابقته والعفو عن زلته مع عدم متابعته فيها . قال الحافظ الذهبي : " ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلته ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم : ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " (31)
   ومن زعم أن المقصود بالعمل هو عمل القلب ، أو عمل اللسان بالقول ، وليس عمل الجوارح فهذا قد أخطأ خطأ كبيرًا ، فإن أهل السنة يقصدون بالعمل عمل الجوارح ولذلك فإن الإمام أحمد لما قال شبابة بن سوار : " إذا قال فقد عمل ...فإذا قال ، فقد عمل بجارحته ـ أي بلسانه ـ فقد عمل بلسانه حين تكلم " قال الإمام أحمد : هذا قول خبيث ما سمعت أحدًا يقول به ولا بلغني " (32) 
 أخيرًا : ما حكم تارك أركان الإيمان ؟
1ـ حكم تارك قول اللسان : المراد بقول اللسان هو الشهادتان . والمراد بتركهما : تركهما مع القدرة على التلفظ بهما ، ومن ترك القول باللسان مع القدرة عليه فهو كافر ظاهرًا وباطنًا . قال شيخ الإسلام : " فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة وأئمتها ، وجماهير علمائها " (33)
والتكفير لا يكون إلا بعد إقامة الحجة ، والدليل على كفر تارك الشهادتين قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسامة كما في الصحيح : " فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة " ووجه الاستدلال أن عصمة الدم علقت على النطق ، لأن الرجل لو لم ينطق بها لكان دمه هدرًا .
2ـ حكم تارك قول القلب :
   قول القلب هو التصديق ، أي الإقرار بأركان الإيمان الستة . فمن لم يقر بهن فهو كافر ، قال تعالى : " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدًا " (34)
وروى الإمام أحمد والترمذي عن علي ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني محمد رسول الله ، بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر خيره وشره " إذًا إذا تخلف قول القلب ـ وهو اعتقاده وتصديقه ـ فصاحب ذلك كافر .
3ـ حكم تارك عمل القلب :
المراد بعمل القلب ؛ كحب الله ورسوله ، والخوف ، والخشية ، والرجاء ، والإنابة ، والاستعانة ، والتوكل ... وغيرها .فأقل عمل القلب الذي يثبت إيمانًا ما ساق إلى قول القلب ، والنطق بالشهادتين ، فإذا لم يسق لذلك لم يثبت هذا القدر إيمانًا ، وعلى هذا فإذا وجدت الشهادتان ، وقول القلب ـ مع عمل الجوارح ـ دل ذلك على وجود عمل القلب ، وعلى ضوء ذلك يفهم الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " ففي هذا الحديث النطق بالشهادتين ، والصلاة والزكاة ، لازم عمل القلب واعتقاده وإلا كان من أتى بهذه الأعمال دون اعتقاد القلب وعمله كان منافقًا لا يقبل عمله .

3ـ حكم تارك عمل الجوارح :
المراد بعمل الجوارح هو فعل المأمور وترك المحظور . وقد مر بك أخي المسلم من الأدلة من القرآن والسنة ، وأقوال أئمة الإسلام ، ما لا يدع مجالاً للشك أن ترك أعمال الجوارح كفر .
بقي أن يقال : ما الحكم لو ترك بعض أعمال الجوارح وفعل البعض ؟
والجواب : أنه لو فعل ما يتوقف عليه صحة الإيمان ـ وهو الصلاة لأن الراجح أن تركها كفر أكبر مخرج عن الملة ـ فهو مؤمن لكن ينقص إيمانه بقدر ما فرط فيه من الأعمال الأخرى ، ولا يكون كافرًا .     
    هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني
ومن الشيطان ، وأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن أكون قد وفقت في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان ، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه ، وأفضل رسله محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ والحمد لله رب العالمين.
                            

وكتبه
أبو إسلام
حازم بن علي خطاب المصري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
تم تحريره في السابع من رجب 1431



    


[1] - ( سورة آل عمران آية : 102 ) .
[2] - ( سورة النساء آية : 1 )                                                
[3] - ( سورة الأحزاب آية : 70 – 71 ) .
(4)   انظركتاب : الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ( ص 24 )
(5)  انظركتاب : السنة لعبد الله بن أحمد رقم ( 641 )
(6)  المرجع السابق رقم ( 614 )
(7)  انظركتاب : مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ( 7/ 507 )
(8)  انظر كتاب : الإيمان الأوسط ( 7 / 579 )
(9)  انظر كتاب : مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ( 7 / 621 ) 
(10)  سورة البقرة : الآية ( 143 )
(11)  سورة البقرة : الآية ( 25 )
(12)  سورة العنكبوت : الآية ( 58 )
(13)  سورة محمد : الآية ( 12 )
(14)  سورة الأعراف : الآية ( 43 )
(15)  سورة الأنعام : الآية ( 158 )
(16)  صحيح : البخاري( 4949 ) ، مسلم ( 3039 )
(17)   صحيح البخاري : ( 5673 ) ، مسلم ( 2816 )
18)  انظر كتاب : الإبانة لابن بطة العكبري ( 2/ 807 )
(19)  انظر كتاب : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ( 5 / 887 )
(20)  انظر كتاب : الشريعة للإمام الآجري ( 1 / 311 )
(21)  انظر كتاب :  شرح العمدة ( 2 / 86 )
(22)  انظر كتاب :  الإبانة لابن بطة ( 1 / 333 )
(23)  انظر كتاب : السنة لعبد الله ابن أحمد ( 1 / 347 )
(24)  انظر مجلة المشكاة : ( 2 / 279 )
(25)  انظر كتاب : شرح العقيدة الواسطية ( ص 145 )
(26)  انظر كتاب :  الإيمان له ( ص 65 )
(27)  انظر كتاب : شرح السنة له ( ص 81 )
(28)  انظر كتاب : أصول السنة له ( ص 207 )
(29)  انظر كتاب : اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 86 )
(30)  انظر كتاب : القواعد المثلى ( ص 86 )
(31)  انظر كتاب : سير أعلام النبلاء ( 5/ 271 )
(32)  انظر كتاب : السنة للخلال ( 3/ 570 )
(33)  انظر كتاب : الإيمان الأوسط ( 1/ 105 )
(34)  سورة النساء : الآية ( 136 )
___________________

رابط تحميل الملف (
http://3rbup.com/b9b1f3a25c7be665 )
_______________________
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق