(( موقف المســلم في الفتن ))



موقف المسلم في الفتن

موقف المســلم في الفتن

بســم الله الرحمن الرحيم

 أحمد الله العلي القدير، وأثني عليه ثناءً منقطع النظير، يفوق كل وصف وتصوير، وأصلي وأسلم على خير الأنام ورسول السلام الذي بلغ العلا بكماله، وكشف الدجى بجماله وحسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله.
أما بعد
 إن أخطر ما يواجه المسلم في هذا الزمان هو كثرة الفتن، ولم يُعرف في تاريخ المسلمين زمان كان أكثر فتنًا من هذا الزمان الذي نعيشه، ونظرًا لخطورة هذا الأمر، فإني أحاول في هذه السطور أن أبين لإخواني المسلمين خطورة الفتن، وكثرة الفتن وتنوعها، وكيف كان سلفنا الصالح يواجهون الفتن ويثبتون على الحق، والعوامل التي تعيننا على الثبات في الفتن .
أولاً : خطورة الفتن .
إن خطورة الفتن تكمن في أنها تؤثر في القلب، وهذا مصداق حديث النبي- صلى الله عليه وسلم - الذي رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه-: " تعرض الفتن على القلب كعرض الحصير عودًا عودًا فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود إلى قلبين: قلبٍ أسود مربادٍ  كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض " .
    وإنما سمي القلب قلبًا لشدة تقلبه ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل الله عز وجل أن يثبت قلبه فقد روى الإمام أحمد وله شاهد في صحيح مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " .
    وهذا القلب هو الذي عليه صلاح البدن كله ، كما في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " ... ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "  وهذا القلب لن ينفع صاحبه إلا إذا سلم من الفتن كما قال تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " [ الكهف 88 ـ 89 ] .
       قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " لا يسلم القلب حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد ومن بدعة تناقض السنة ومن غفلة تناقض الذكر ومن هوى يناقض الإخلاص ". أهـ
** ذهب رجل إلى سفيان الثوري فقال له: " لقد ابتليت بمرض في قلبي فصف لي دواء فقال له: " عليك بعروق الإخلاص وورق الصبر وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد عليه نار الحزن على المعصية، وصفه بمصفاة المراقبة، وتناوله بكف الصدق، واشربه من كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع، وابتعد عن الحرص والطمع تشفى من مرضك بإذن الله "
ثانيًا : كثرة الفتن وتنوعها .
       لقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن كثرة الفتن وتلاحق بعضها ببعض فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي .... " والفتن كثيرة جدًا ومن هذه الفتن:
** فتنة النساء .
وهي أخطر الفتن قال تعالى:" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين......"
     [ آل عمران 14 ]
روى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "
وفي الصحيحين قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "
ولما علم أعداؤنا أن المرأة أخطر وسيلة يستطيعون من خلالها إفساد المسلمين فاستخدموا هذا السلاح الخطير في تنفيذ مخططاتهم ، فسلطوا الأضواء على المرأة وجردوها من ملابسها بعد أن جردوها من حيائها ففتنوا شباب المسلمين ، لذلك قال أحد أئمة الكفر:
" كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ".


** فتنـــة المال .
    وهي فتنة خطيرة عصفت بقلوب كثير من الناس ، فضيعوا آخرتهم بسبب ذلك ، وقد حذرنا ربنا جل وعلا من فتنة المال فقال تعالى : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " [ التغابن 15 ] . وقال سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " [المنافقون 9 ]
   وروى بعض أصحاب السنن بسند صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل يوم القيامة عن أربع : عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه "  وكثير من الناس كل همهم جمع المال ولا يهمهم هل جمعوه من حلال أم من حرام ويؤكد ذلك ما رواه البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال : " ليأتين على الناس زمان لا يبالي الرجل بم أخذ ماله أمن حال أم من حرام "  . فانتشرت الرشوة ، وكثر الغش ، وأكل الربا ، والظلم ...
** فتنة المناصب .
    لقد فتن كثير من أصحاب القلوب المريضة بفتنة المناصب ، والمنصب إما أن يكون في أصله عملاً مباحًا ، لكنه يغير أخلاق  صاحبه فيتكبر على الخلق ، وقد يظلم العباد ، وإما ألا يكون عملاً مباحًا كأن يباشر الحكم بغير ما أنزل الله ، أو يسن القوانين التي تخالف شرع الله فعرض نفسه للهلاك والعياذ بالله من أجل كرسي زائل أو منصب فانٍ
    ثم إن المنصب ـ إذا كان مباحًا ـ أمانة سوف يسأل عنها يوم القيامة ، ومع ذلك تولاها من ليس لها بأهل . وصدق حبيبنا المصطفى حينما قال  فيما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ : " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة قالوا : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة " .
** فتنة الابتلاءات والمصائب .
   وهي تمحيص للمؤمن ليتبين الصادق من الكاذب . قال تعالى :
 " ... أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " [ العنكبوت 1 ] . وقال عز وجل : " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ... " [ العنكبوت 10]
   روى أحمد والترمذي بسند صحيح عن مصعب بن سعد عن أبيه قلت : يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ".
** فتنة التحزبات والانقسامات .
وهذه الفتنة أصبحت على أشدها في زماننا هذا لكثرة الجماعات والفرق العاملة على الساحة ، وكل جماعة تدعي أنها هي التي على الحق ، وأن غيرها على باطل وضلال ، وأصبح كل فرد ينضم إلى جماعة من هذه الجماعات يوالي من والاها ويعادي من عاداها ، وتمزقت الأمة وتشتت شملها ، والله سبحانه يقول : " واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ... " [ آل عمران 103 ]
     وروى بعض أهل السنن وصححه الألباني أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي "
** فتنة طلبة العلم .
وتتمثل هذه الفتنة في الإعجاب بالنفس ـ نعوذ بالله من ذلك ـ لما حصلوه من العلم ، واحتقار الآخرين والنظر إليهم على أنهم جهلة وسفهاء لا وزن لهم ولا قيمة لهم .

** فتنة شبهات العلمانيين .
     إن هؤلاء العلمانيين يشككون في ثوابت الدين ، ويتطاولون على ذات الله ، وعلى شخص رسول الله ، وعلى كتاب الله ، وعلى صحابة رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعلى أمهات المؤمنين الطاهرات ، ليل نهار في كل وسائل الإعلام ، ويلقون شبهاتهم في قلوب هؤلاء الذين يستمدون ثقافتهم من هذا الإعلام الفاسد ، مما جعلهم ينقمون على الدعاة المخلصين الذين يبصرون الناس بأمر دينهم ، ويتهمونهم بالتشدد والتطرف ، وبأنهم يأتون بدين جديد ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .


ثالثًا : أمثلة مضيئة للثبات على الحق عند الفتن .
** أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ  يضرب لنا أروع المثل في الثبات في الفتن . ففي موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصاب المسلمون بصدمة شديدة ، حتى إن الفاروق عمر ـ رض الله عنه ـ يصاب بذهول ويقول: " من قال إن رسول الله قد مات لأضربن عنقه بسيفي هذا ، وإنما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه وسيعود ، فقام الصديق ـ رضي الله عنه ـ وقال : " أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " .
*  ولما نام ـ رضي الله عنه ـ على فراش الموت ، دخلت عليه ابنته عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي تبكي وتقول :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى      إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فقال لها : لا يا بنيتي لا تقولي هذا ، ولكن قولي : " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد "
** عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لما طعن وهو يصلي الصبح بالمسلمين ، والجرح غائر ، والألم شديد ، ويحمل إلى بيته ، ويدخل عليه ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ويقول له : " أبشر يا أمير المؤمنين لقد صحبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  وأحسنت صحبته ، وتوفي عنك رسول الله وهو عنك راضٍ ، وصحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، وتوفي وهو عنك راضٍ وصحبت أصحاب رسول الله وهم ـ إن شاء الله ـ عنك راضون ـ ثم شهادة في سبيل الله أبشر ببشرى الله عليك يا أمير المؤمنين ، ثم بكى عمر وقال : والله لو أن لي ملء الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله قبل أن ألقاه ... ثم يدخل عليه شاب ـ وهو في آخر عهده بالدنيا ـ وهو يطيل ثوبه ، فيقول له : " يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك " إنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو في سكرات الموت فأي ثبات هذا ؟!
** عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لما أحاط الثوار ببيته ـ رأى في منامه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينادي عليه ويقول له : أفطر عندنا غدًا يا عثمان ، فعلم أنه مقتول ، فأصبح وقد تطهر وأمسك بالمصحف وظل يقرأ القرآن حتى دخل عليه الثوار وقتلوه فاختلطت دماؤه الطاهرة بكلام الله تعالى .

** موقف السحرة من فرعون . لما تبين لهم صدق موسى ـ عليه السلام ـ وأنه لم يأت بالسحر آمنوا ، فتوعدهم فرعون بأن يقطع أيديهم من خلاف ويصلبنهم في جذوع النخل ، لم يهمهم ذلك ، وثبتوا على تعذيب فرعون لهم .
** ثبات امرأة فرعون .
  لما آمنت بالله توعدها فرعون بالتعذيب، فلما أمر جنوده أن يعذبوها، كانت تضحك، فقال فرعون انظروا إلى هذه المرأة المجنونة نعذبها وهي تضحك، إنها استعذبت ذلك في سبيل الله، لأنها وثقت بموعود الله وهي تقول:" رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين "
** ثبات ماشطة بنت فرعون .
حيث كانت تمشط رأس بنت فرعون يومًا فسقط المشط من يدها ، فقالت : باسم الله وهي تتناول المشط فقالت لها بنت فرعون : أبي ؟ قالت : ربي وربك ورب أبيك هو الله عز وجل ، فقالت لها أقول له إذن ، فأخبرته فجاء فرعون وظل يعذبها لترجع عن دينها ، وأحرق أولادها أمام عينيها واحدًا بعد الآخر حتى كان آخرهم صبي رضيع فقال : يا أماه اصبري فإنك على الحق فثبتت حتى الموت .
**ثبات أصحاب الأخدود .
حيث حفرت لهم الأخاديد وأشعلت فيها النيران ، ويقال للواحد منهم : ارجع عن دينك فيأبى فيلقى في النار .
** موقف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من تعذيب كفار قريش لهم ، فقد ثبتوا ثباتًا عجيبًا ، وتحملوا الأذى في سبيل الله .
** ثبات الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في محنة خلق القرآن ـ حيث طلبوا منه أن يقول أن القرآن مخلوق ، فرفض فأدخل السجن وعذب تعذيبًا شديدًا لكنه ثبت ثبات الجبال فكان ناصرًا للحق .
** ثبات الآلاف من المسلمين على التعذيب في سجون اليهود وفي سجون العراق على أيدي الكفرة من الأمريكان والشيعة ، وفي كل مكان يعذب فيه الموحدون على وجه الأرض .
رابعًا : أمور تعيننا على الثبات في الفتن .
[1] صدق اللجوء إلى الله عند الفتن ، فالله سبحانه هو الذي يثبت عباده في الفتن ، كما قال سبحانه : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ..." [ إبراهيم 27 ]
[2] تخصيص وقت لطلب العلم
[3] العمل بالعلم ، قال تعالى : " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا " [النساء 66 ]
[4] صحبة الأخيار الأطهار من الناس ، فإنهم يكونون عونًا له ويشدون من أزره عند الفتن .
[5] فهم السنن الربانية . فلله ـ عز وجل ـ سنن لا تحابي أحدًا ، فإذا فهم العبد هذه السنن لا يشك في دينه ويثبت عليه مهما تعرض للفتن .
[6] ذكر الجنة والنار ، فإذا تذكر الجنة والنار هان عليه التعذيب في سبيل الله .
[7] سلوك سبيل السلف الصالح ، والسير على نهجهم .
[8] معرفة سبيل المجرمين حتى لا يقع فيه فيفتن .
[9] الدعوة إلى الله والمداومة عليها
[10] الدعاء ، في صحيح مسلم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " .
[11] ملازمة العلماء والاتصال بهم وقت الفتن .
     هذا، ونسأل الله سبحانه أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمدٍ وآله.
وكتبه
الفقير إلى عفو ربه
حازم بن علي خطاب
غفر الله له ولأهله والمسلمين




كاتب المقالة : حازم بن علي خطاب
تاريخ النشر : 12/07/2010
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق